سبــيل الـــنــور


إن المتقي ليس هو ذلك الصوّام القوّام , و إنما هو ذلك الذي اكتشف الطريق , ورأى الهيكل , و رأى المخطط , و يعلم من أين يبدأ , و إلى أين فآمن بالغيب , وترقى عن عالم الحواس ..

الجمعة، 7 يناير 2011

مقتطفات من مواعظ آية الله العظمى الشيخ محمد بهجت ق.س

بسم الله الرحمن الرحيم
إن على الجميع أن يعلموا بأنَّ عليهم التوجه في الأمور العملية لما يبقى لهم، دون الزائل الذي يفنى.
فالأعمال الصالحة، كالطاعات الإلهية، وما يقرب إلى الله عزَّ وجلَّ، فإنها تبقى مع الإنسان، ويحملها من هنا إلى يوم القيامة، وإلى ما بعد يوم القيامة، وحيثما حل.
إن الأعمال الصالحة للإنسان، أعمال باقية لـه لا تفنى.. وليُعلم بأن الطاعات والعبادات والمقرّبات، ليست مما يزول بخراب البيت مثلاً، أو بانفصال البدن عن الروح، فهي باقية وثابتة.. بل ستظهر صورة معنوية منها هناك لكل فرد بحياله.
ولكي لا تغفلوا!.. فإن أولئك الذين استشهدوا، أو قدّموا شهداء إنما مضوا في سبيل الله، وكانوا ماضين في طريقه.. والله تعالى يعلم أي تاج وضع فوق رؤوسهم بالفعل، وإن كان البعض لا يرون ذلك إلا بعد مغادرتهم هذه النشأة.
وربما كان للبعض ممن هم من أهل الكمال أن يروا هنا أيضاً، أن فلاناً (مثلاً) يمتلك تاجاً على رأسه، بينما (فلان) الآخر لا يمتلك ذلك!..
والمقصود أن استشهاد أقارب المرء، هو بنفسه كرامة من الله عزّ وجلّ.
و الشهادة - لو أردنا تقييمها – فهي مما يوجب المسرة لا الحزن.. هذا الحزن الذي يظهر في الإنسان، سببه أن ذلك الشهيد قد ارتحل إلى تلك الغرفة مثلاً، بينما بقينا نحن في هذه الغرفة.. ولا نفكر عند ذلك في أفضلية حاله من حالنا، وبأننا مكدّرون بينما هو في راحة.. ولا نفكر في الأمور التي جعلها الله لـه الآن، بينما لايُدرى كيفية إرتحالنا نحن.. هل نمضي مع الإيمان أم بدونه؟.. هو قد مضى مع الإيمان [مؤمناً] وبهذا النحو أيضاً: لقد مضى شهيداً.
علينا أن نفهم أن الشهادة من موجبات السعادة، وأنها ترتقي بكل فرد إلى أعلى، ولا تنزله إلى أسفل.. وهذا البيت ليس بالبيت الذي نبقى (نخلد) فيه.. بل على الفرد منا أن يجمع هنا أمور معينة للمكان الذي سوف يعيش فيه.
عند ذلك،وهناك يعلم مدى عظمة ما يجمعه هنا.. فهناك يعلم بأن هذا كاف وواف، وهذا غير معروف هنا (لا يعلم هنا).
الله يعلم كم من الآثار المعنوية للصلاة الواحدة [على محمد وآل محمد] التي يدعو بها المرء هنا ويهدي ثوابها للميت.. وأية صورة وأية واقعية (حقيقية) لهذه الصلوات نفسها.. علينا أن لا نهتم للقلة والكثرة، بل ليكن اهتمامنا للكيفية.
لو أنفق المرء شيئاً من ماله لله – ولو كان زهيداً – وأنفق في المقابل الآلاف من الذهب والفضة دون أن يكون ذلك لله، فذاك [أي ما كان لله] من الباقيات، بينما هذا [ما كان لغير الله] فهو من الفانيات .
إن الإنسان يترقى باستمرار، وينمو آناً فآن.. ومن المحال أن يقوم بعمل خير لله عز وجل ويكون مغفولاً عنه { لايعزب عنه مثقال ذرة }.[سورة سبأ، آية: 3] .. فمن المحال إذن ألا يطلع عليه الملائكة، أو لا يكتبه أحد أو يقوم بتسجيله.
علينا الإلتفات!.. أن كل خير أو شر يصدر من أي كان سيكون هناك بارزاً وظاهراً.. والله يعلم مقدار الناظرين والذين سيطلعون على هذه الأوضاع!.. والله يعلم أي جزاءٍ ثابت، وسيؤدى للإنسان على أعماله، خيراً كانت أم شراً!..
لا ينبغي التوهم بأن المسألة مسألة قلة وكثرة.. بل المدار على الكيفية.. فإن كان العمل لله [فله قيمته] حتى لو كان قليلاً، وإن كان لغير الله [فلن ينفع] ولو كان كثيراً.. ومن الضروري ملاحظة ما يقوله دستور الشرع، ليرى ما الذي يجب فعله أو تركه في ذلك المورد.. إننا ضيوف الله وعلى سفرته، وهو يرانا ويعلم ما الذي نفعله، وما الذي نفكر بإتيانه.. فهو يعلم أفضل منا بأفكارنا.. إننا [مثلاً] نتخيل أموراً ونتخيل تحققها في الواقع [في حالات يكون] الله تعالى يعلم أن الأمر بالعكس، فما نتخيل تحققه لن يتحقق، وما نتخيل عدم تحققه هو الذي سوف يتحقق.. إنه تعالى مطّلع إلى هذا الحد .
"الله تعالى مطّلع" وهذا جليّ.. فرسله في كل مكان، عن اليمين وعن الشمال، ومن هذه الجهة وتلك، إنهما موجودان في كل مكان..لا يمكن إخفاء شيء عن الله عزَّ وجلَّ.. حسناً، فإذا كان من غير الممكن إخفاء شيء، والله تعالى يرى ويعلم، وهو قادر أيضاً، وثمة أشياء يحبها، وأخرى لا يحبها، وذلك إنما هو لأجلنا، وإلا فلا يختلف الأمر بالنسبة له.‍. فإذا كان الأمر كذلك، فهل نحن بحاجة لأن نعلم أكثر من هذا المقدار: بأن"الله مطلع على ظاهرنا وباطننا"؟!..
لقد تجسم الشيطان الملعون للنبي يحيى (ع) وقال له: أنصحك بأمور خمسة: فقال (ع): تكلم!..فتكلم الشيطان في البدء بكلمة حكمة جيدة جداً، والثانية أيضاً كانت حسنة جداً، والثالثة كذلك، والرابعة رأى أنها حسنة جداً. عندئذ قال لـه النبي يحيى (ع): الآن فأغرب!.. ففي الخامسة سوف تقوم بعملك..إذهب!.. فالخامسة لا أريدها، إذ لا بد أنك ستقوم بعملك فيها.. وإلا فلن تكون إبليس.. فإبليس داعية الشر، وكل هذا كان مقدمة ليقوم - آخر الأمر- بعمله.
التفتوا أيضاً إلى أن حياة الإفرنجة تقوم بالجواسيس.. وكل ما حل بنا إلى الآن منهم، فقد كان بواسطة الجواسيس.التفتوا!.. انظروا حولكم، فأحياناً يصلون إلى الجاسوس عبر عدة وسائط.هذا نحو من الفطانة، ونحتاج إلى أن يمنحنا الله هذه الحذاقة لكيلا نخدع بالأكاذيب، فإنهم يكثرون من الصدق في ما يقولونه لنا، إلى أن يسوّقوا كذبهم.
إلى أن قال دام ظله:
عليكم الإنتباه!.. فلا حيلة إلا باللجوء إلى الله والتوسل، ليكن القرآن معكم في يد والعترة في اليد الأخرى.. العترة: معارفهم في مثل نهج البلاغة، وأعمالهم في مثل الصحيفة السجادية، وأعمالهم التكليفية في مثل هذه الرسائل العملية.
لا تدعوهم يخرجونكم منهم، بل ميزتنا نحن من بين المسلمين وغير المسلمين، هي أننا نمتلك أصلين ينفعان للدنيا والآخرة، ففي أمر دنيانا أيضاً لو أصبنا بمرض أو حلَّ بنا بلاء ما، فإنه ينالنا الفرج بمجرد أن نتوسل بهم.
هذه الميزة خاصة بالشيعة، إذ لا يوجد هذا الأمر لدى أهل السنة.. بل هم لا يسمحون لعلماء الفقه بأن يتدخلوا في الأمور العقلية، فيجب الرجوع في المسائل العقلية إلى أبو الحسن الأشعري أو إلى المعتزلي.. وفي الشرعيات المرجع هو أبو حنيفة مثلاً، أو الشافعي وأمثالهما، وهم يعجبون كيف يجعل الشيعة شخصاً واحداً مرجعاً للأمور الشرعية والعقلية معاً.
أئمتنا مراجع في المعارف والعلوم العقلية، كما أنهم كذلك في الأمور الشرعية والتكليفية أيضاً.. إنهم – غيرنا – لا يعرفون أن لدى الأئمة أيضاً أمور أخرى غير هذين الأمرين [الشرعيات والعقليات] إذ أمر هذين سهل قياساً بما يمتلكونه، فلديهم سبل التوسل والحفظ والتحصين أيضاًًًًً.. ومنهم نتعلم طريق مناجاة الله عزَّ وجلَّ، وطريق العبودية لـه والأعمال.. بل نستطيع باتباعنا لهم أن نستغرق أوقاتنا كلها في طاعة الله، وبنحو لا نخرج عن الطاعة في كل ما نقوم به.
والمقصود أن تنتبهوا: إذ أن الذئاب كثيرة في هذا العصر.. فإنهم يمتهنونكم، لكن بمقدورهم فيما بعد أن يعطوكم الطعام المسموم، ويفرغوا من أمركم بعد أن يكونوا قد أخذوا الأمر منكم واستخدموكم، ومهما دفعوا لكم من المبالغ التي لا يحلم المرء بها.
انتبهوا!.. لئلا يضلونكم ويخرجونكم عن الجادة، فيحرمونكم من الدنيا والآخرة.. وإذا رأوكم عبيداً لهم صادقين قانعين، رضوا عنكم لكن بشرط ان تقتلوا في سبيلهم ...
و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق